الأربعاء، 4 يناير 2012

فوائد -1- / مقارنة الاديان


كمال الدين وتمامُ التشريع:



قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (المائدة: 3) وذلك أن كل رسالة سبقت كان تشريعها خاصًّا موقوتًا، حتى كانت تمام واكتمال الدين ببعثة سيد الأولين والآخرين محمد -صلوات الله عليه إلى يوم الدين- قال الشهرستاني: الأسرار الإلهية والأنوار الربانية في الوحي والتنزيل والمناجاة والتأويل على مراتب ثلاث: مبدأ، ووسط، وكمال، والمجيء أشبه بالمبدأ، والظهور بالوسط، والإعلان بالكمال، عبرت التوراة عن طلوع صبح الشريعة والتنزيل بالمجيء على طور سيناء، وعن طلوع الشمس بالظهور على ساعير، وعن البلوغ إلى درجة الكمال والاستواء بالإعلان على فاران -وهي جبال فران في الجزيرة العربية التي بعث عليها سيد الأولين والآخرين- وفي هذه الكلمة إثبات نبوة المسيح والمصطفى -عليهما السلام- وقد قال المسيح في الإنجيل: ما جئت لأبطل التوراة بل جئت لأكملها.



قال صاحب التوراة: النفس بالنفس، والعين بالعين، والأنف بالأنف، والأذن بالأذن، والسن بالسن، والجروح قصاص، وأنا أقول: إذا لطمك أخوك على خدك الأيمن فضع له خدك الأيسر، والشريعة الأخيرة وردت بالأمرين جميعًا، إما بالقصاص ففي قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} (البقرة: 178) وأما العفو ففي قوله تعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} (البقرة: 237) ففي أحكام التوراة أحكام السياسة الظاهرة العامة، وفي الإنجيل أحكام السياسة الباطنة الخاصة، وفي القرآن أحكام السياستين جميعًا: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة: 179) إشارة إلى تحقيق السياسة الظاهرة، وقوله تعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} وقوله: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (الأعراف: 199) إشارة إلى تحقيق السياسة الباطنة، وقد قال -عليه الصلاة والسلام- هو: ((أن تعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك)).



ومن العجب أن من رأى غيره يصدق ما عنده ويكمله ويرقيه من درجة إلى درجة كيف يسوغ له تكذيبه، وهكذا فالقرآن لما توفر له من دلائل الصدق ما حكم بصدقه فهو صدق، وما كذبه فهو كذب، وما سكت عنه لا نحكم له ولا عليه، فهو الوحي الصادق، والدين الكامل، والنعمة التامة.